باحثون يطلقون أكبر قاعدة بيانات لحجم الكائنات البحرية: خطوة فارقة لفهم التنوع البيولوجي في المحيطات

أطلق فريق من الباحثين من جامعات ومؤسسات علمية عالمية قاعدة بيانات غير مسبوقة تتتبع الحجم الأقصى لأكثر من 85 ألف نوع من الكائنات البحرية، في محاولة لفهم النظم البيئية البحرية من منظور بنيوي دقيق. وتشمل القاعدة نطاقًا واسعًا من الكائنات، من العوالق المجهرية وصولًا إلى الحيتان العملاقة، ما يوفر أداة تحليلية هامة في ظل التغيرات البيئية المتسارعة.
وجاءت هذه المبادرة العلمية في دراسة نُشرت في مجلة Global Ecology and Biogeography، وتُعد قاعدة البيانات الجديدة، المعروفة باسم MOBS، الأكبر من نوعها حتى الآن، إذ تضم بيانات دقيقة حول الحجم الأقصى لـ 85,204 نوعًا بحريًا، ما يمثل 40.4% من الأنواع المسجّلة عالميًا، مع تغطية تتجاوز 75% في سبع شعب بحرية رئيسية.
بيانات مفتوحة ومتكاملة عبر “غيت هاب”
تتضمن قاعدة البيانات أكثر من 181 ألف قياس للحجم، شملت أحيانًا ملاحظات متعددة للنوع الواحد لتعكس التباين داخل الأنواع. وتُتاح البيانات بالكامل عبر منصة GitHub، بما يسهم في تعزيز الشفافية والتعاون العلمي.
ويوضح الدكتور كريغ آر. ماكلاين، من جامعة لويزيانا وقائد الفريق البحثي، أن “حجم الجسم ليس مجرد مقياس فيزيائي، بل هو عنصر محوري لفهم آليات الحياة البحرية”. وأضاف أن هذه القاعدة تسد “ثغرة معرفية مهمة” وتُوفر منظورًا جديدًا في دراسة التنوع البيولوجي للمحيطات.
من التركيز على العمالقة إلى دراسة الكائنات الدقيقة
لطالما ركزت الأبحاث البيولوجية على الكائنات البحرية الأكبر حجمًا، إلا أن التحول الراهن بات يستهدف الأنواع الأصغر، التي تُشكّل الغالبية العظمى من التنوع البيولوجي وتلعب دورًا حيويًا في شبكات الغذاء واستقرار النظام البيئي. ويؤثر حجم الجسم بشكل مباشر على نمط معيشة الكائن، بدءًا من التغذية إلى الحركة والتكيف مع الظروف البيئية.
وتشير الأبحاث إلى أن الأنظمة البيئية البحرية تُبنى بحسب تسلسل حجمي، حيث تعتمد الكائنات الأكبر على الأصغر في السلسلة الغذائية، مما يجعل فهم توزيع الأحجام أمرًا بالغ الأهمية.
أدوات ذكية ومرجعية علمية دقيقة
اعتمد الفريق على تقنيات الاستخلاص الآلي للبيانات من آلاف المصادر، بما في ذلك الأدبيات العلمية وسجلات المتاحف وقواعد البيانات الإلكترونية. وساهمت أدوات التعلّم الآلي في توحيد تنسيقات البيانات وتقليل زمن الإدخال اليدوي، بينما جرى التحقق من صحة الأسماء العلمية باستخدام أنظمة تصنيف معتمدة عالميًا.
تُتيح هذه البيانات إمكانية تحليل تطور الحجم عبر السلالات، ودراسة التأثيرات البيئية مثل عمق المياه ودرجة الحرارة على نمو الكائنات، إضافة إلى مقارنة الأنواع الحالية والمنقرضة وتتبع التغيرات عبر الزمن.
نحو نماذج بيئية أكثر دقة
يساعد مشروع MOBS في تطوير نماذج مناخية وبيئية أكثر دقة، بعدما كان نقص البيانات حول الحجم يُشكّل عائقًا أمام فهم ديناميات المحيطات. وتشير التقديرات إلى إمكانية رفع التغطية إلى 75% خلال عامين، ما يمهد الطريق لتحليلات أدق وأوسع نطاقًا.
وتُستخدم القاعدة أيضًا في تقييم التحيز في التوثيق العلمي، حيث تُهمل الأنواع الصغيرة غالبًا في المسوحات، رغم أهميتها في التوازن البيئي. ويُتيح هذا المشروع دراسة كيفية تغير أحجام الكائنات استجابة لتغير المناخ، حيث يرتبط الحجم بمعدل الأيض ومدى التحمل للضغوط البيئية.
حماية الحياة البحرية في مواجهة المخاطر
تشير الدراسة إلى أن الصيد الجائر للأنواع الكبيرة لا يُهدد هذه الأنواع فقط، بل يخلق اضطرابات تمتد إلى الكائنات الأصغر في الشبكة الغذائية، ما قد يؤدي إلى انهيارات بيئية. وتؤكد بيانات الطيور أن الأنواع الأكبر أكثر عرضة للانقراض، وهي ملاحظة قد تنطبق أيضًا على الكائنات البحرية.
ويهدف المشروع إلى الاندماج مع قواعد بيانات بيئية عالمية مثل “أوبيس” (OBIS)، لتعزيز التكامل وتحقيق رؤى أعمق، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة التي تواجه المحيطات، من تغير مناخي وارتفاع حرارة المياه، إلى فقدان الموائل والصيد غير المستدام.
إن قاعدة بيانات MOBS تمثل خطوة نوعية نحو بناء فهم شمولي للحياة في أعماق البحار، وتضع بين يدي العلماء أداة قوية لتحليل الأنماط البيئية ورسم سياسات مستندة إلى بيانات، لضمان حماية التنوع البيولوجي البحري للأجيال القادمة.